سورة الأنفال - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} الآية نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدار.
قال ابن عباس: لما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون الماضية، قال النضر: لو شئت لقلت مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين- أي: ما هذا إلا ما سطره الأولون في كتبهم- فقال له عثمان بن مظعون رضي الله عنه: اتق الله فإن محمدا يقول الحق، قال: فأنا أقول الحق، قال عثمان: فإن محمدا يقول لا إله إلا الله، قال وأنا أقول لا إله إلا الله، ولكن هذه بنات الله، يعني الأصنام، ثم قال: اللهم إن كان هذا الذي يقول محمد هو الحق من عندك- و{الحق} نصب بخبر كان، وهو عماد وصلة- {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} كما أمطرتها على قوم لوط، {أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي: ببعض ما عذبت به الأمم، وفيه نزل: {سأل سائل بعذاب واقع} [المعارج- 1].
وقال عطاء: لقد نزل في النضر بن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر.
قال سعيد بن جبير: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلاثة صبرا من قريش: طعيمة بن عدي وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث.
وروى أنس رضي الله عنه أن الذي قاله أبو جهل.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، حدثنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا محمد بن النضر، ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة، عن عبد الحميد صاحب الزيادي، سمع أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ}.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} اختلفوا في معنى هذه الآية، فقال محمد بن إسحاق: هذا حكاية عن المشركين أنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأولى، وذلك أنهم كانوا يقولون إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره، ولا يعذب أمة ونبيها معها، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} الآية، وقالوا {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} ثم قال ردا عليهم: {وما لهم ألا يعذبهم الله}؟ وإن كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون {وهم يصدون عن المسجد الحرام}.
وقال الآخرون: هذا كلام مستأنف يقول الله عز وجل إخبارا عن نفسه: {وما كان الله ليعذبهم}.
واختلفوا في تأويلها، فقال الضحاك وجماعة: تأويلها وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم، قالوا: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة، ثم خرج من بين أظهرهم وبقيت بها بقية من المسلمين يستغفرون، فأنزل الله تعالى: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}، ثم خرج أولئك من بينهم فعذبوا، وأذن الله في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا ويلحق بحيث أمر. فقال: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله تعالى: {وما لهم ألا يعذبهم الله}، فعذبهم الله يوم بدر.
وقال أبو موسى الأشعري: كان فيكم أمانان {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}، {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى والاستغفار كائن فيكم إلى يوم القيامة.
وقال بعضهم: هذا الاستغفار راجع إلى المشركين وذلك أنهم كانوا يقولون بعد الطواف: غفرانك غفرانك.
وقال يزيد بن رومان: قالت قريش إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فلما أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا غفرانك اللهم، فقال الله عز وجل: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.
وقال قتادة والسدي: معناه: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون، أي: لو استغفروا، ولكنهم لم يكونوا يستغفرون، ولو أنهم أقروا بالذنب، واستغفروا، لكانوا مؤمنين.
وقيل: هذا دعاء إلى الإسلام والاستغفار بهذه الكلمة، كالرجل يقول لغيره لا أعاقبك وأنت تطيعني، أي أطعني حتى لا أعاقبك.
وقال مجاهد وعكرمة: وهم يستغفرون أي يسلمون. يقول: لو أسلموا لما عذبوا. وروى الوالبي عن ابن عباس: أي وفيهم من سبق له من الله أن يسلم ويؤمن ويستغفر وذلك مثل: أبي سفيان، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام وغيرهم.
وروى عبد الوهاب عن مجاهد: وهم يستغفرون أي وفي أصلابهم من يستغفر.


قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} أي: وما يمنعهم من أن يعذبوا، يريد بعد خروجك من بينهم، {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي: يمنعون المؤمنين من الطواف بالبيت.
وقيل: أراد بالعذاب الأول عذاب الاستئصال، وأراد بقوله: {وما لهم أن ألا يعذبهم الله} أي: بالسيف.
وقيل: أراد بالأول عذاب الدنيا، وبهذه الآية عذاب الآخرة.
وقال الحسن: الآية الأولى وهي قوله: {وما كان الله ليعذبهم} منسوخة بقوله تعالى: {وما لهم ألا يعذبهم الله}.
{وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} قال الحسن: كان المشركون يقولون نحن أولياء المسجد الحرام، فرد الله عليهم بقوله: {وما كانوا أولياءه} أي: أولياء البيت، {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ} أي: ليس أولياء البيت، {إِلا الْمُتَّقُونَ} يعني: المؤمنين الذين يتقون الشرك، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} قال ابن عباس والحسن: المكاء: الصفير، وهي في اللغة اسم طائر أبيض، يكون بالحجاز له صفير، كأنه قال: إلا صوت مكاء، والتصدية التصفيق.
قال ابن عباس: كانت قريش تطوف بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون.
قال مجاهد: كل نفر من بني عبد الدار يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف، ويستهزءون به، ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون. فالمكاء: جعل الأصابع في الشدق. والتصدية الصفير، ومنه الصدى الذي يسمعه المصوت في الجبل.
قال جعفر بن ربيعة: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله عز وجل: {إلا مكاء وتصدية} فجمع كفيه ثم نفخ فيهما صفيرا.
قال مقاتل: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في المسجد قام رجلان عن يمينه فيصفران ورجلان عن شماله فيصفقان ليخلطوا على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، وهم من بني عبد الدار.
قال سعيد بن جبير: التصدية صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام، وعن الدين، والصلاة. وهي على هذا التأويل: التصددة بدالين، فقلبت إحدى الدالين ياء، كما يقال تظنيت من الظن، وتقضى البازي إذا البازي كسر، أي تقضض البازي. قال ابن الأنباري: إنما سماه صلاة لأنهم أمروا بالصلاة في المسجد فجعلوا ذلك صلاتهم. {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.


قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي: ليصرفوا عن دين الله.
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثنى عشر رجلا أبو جهل بن هشام، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وأبو البختري بن هشام، والنضر بن الحرث، وحكيم بن حزام، وأبي بن خلف، وزمعة بن الأسود، والحارث بن عامر بن نوفلُ والعباس بن عبد المطلب، وكلهم من قريش، كان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر.
وقال الحكم بن عيينة: نزلت في أبي سفيان أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية.
قال الله تعالى: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} يريد: ما أنفقوا في الدنيا يصير حسرة عليهم في الآخرة، {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} ولا يظفرون، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} منهم، {إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} خص الكفار لأن منهم من أسلم.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9